عرض السماء والأرض، سواء


by Mu7sin


Posted on January 1, 2019 at 12:00 PM



أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا ((أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)) وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ


السماوات والأرض لهما نفس الحجم والسعة

قالَ اْللّٰه،. ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا ((أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)) وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [اﻷنبياء 30]

ثم تكلم عن الأرض،. ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [اﻷنبياء 31]

ثم عن السماء،. ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ [اﻷنبياء 32]

فالسماوات والأرض لهما نفس الحجم والسعة،.

وحين ذكر اللّٰه عرض الجنة،. شبهها بــ ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ((وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)) أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران 133]

﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ((وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)) أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد 21]

فلا يمكن أن يشّبه المشبَّه بشيءٍ لا يشبهه، كيف يشبه الجنة بالسماوات العريضة الكبيرة والواسعة، ويشببها بالأرض التي تعتبر عندنا نقطة في الفضاء السحيق،. نقطة صغيرة لا تسوى شيئاً أمام الشمس؟!

مثال ذلك؛ قولك (بنيت لك قصراً عريضا، كعرض مكة والمدينة المنورة)،. فهذا كلامٌ مقبول معقول مفهوم واضح،.

أمّا لو قلت (بنيت لك قصراً عريضاً، كعرض مكة والحجر الأسود)،. سأقول لك كيف هذا؟! ما دخل الحجر الأسود الصغير جداً بعرض مكة!؟ كيف تقارب بين عرض مكة بعرض الحجر الأسود؟! هذا لا يستقيم،.

ــ فــ الأرض (كما علمونا) من الكواكب الصغيرة جداً بالمقارنة بالمشتري وزحل والشمس والنجوم! وهذا تصوّر خاطئ،. الأرض عرضها كعرض السماء،. كانتا قطعة واحدة ففصلهما اللّٰه عن بعض،. ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا..﴾

فلو تصورناها هكذا كحبة غبرة في فضاء أسود كبير،. لاتهمنا القُــرآن بأن تعبيره خطأ، بل الحق أن القُــرآن هو الحق،. وفهمنا وتصوّرنا للأرض الصغيرة هو الخاطئ،.

لهذا تجد اللّٰه يذكر (السماوات والأرض) دائما مع بعض،. وهذا من دأب القُــرآن أن يكرر ذكر المتقابلين والمتشابهين معاً،. الليل والنهار، الجن والإنس، الشمس والقمر، ما بين أيديهم وما خلفهم، الظلمات والنور، الخير والشر، الحق والباطل،،. هذه متقابلات لها نفس البعد، تذكر معا، مثلها السماوات والأرض.

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ ((السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)) وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [اﻷنعام 1]

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ ((فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)) جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ..﴾ [فاطر 1]

﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ((مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)) لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ..﴾ [التغابن 1]

﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ ((رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ)) رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي ((السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)) وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الجاثية 36 ــ 37]

﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ ((الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)) فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ..﴾ [اﻷعراف 54]

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ ((السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ۝ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۝ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ ((مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ)) مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت 61 ــ 63]

﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي ((السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)) وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم 18]

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)) لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ۝ ((لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [لقمان 25 ــ 26]

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ((لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ۝ يَعْلَمُ مَا ((يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا)) وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ [سبأ 1 ــ 2]

ــــــــــــ تباين الأرض عن السماء،.

قال موسى ﷺ لفرعون عن رب العالمين،. ﴿قَالَ ((رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا)) إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الشعراء 28]

فهل تتصور أن هناك اختلافاً في السعة بين المشرق والمغرب! حتّىٰ يقول ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾؟! السؤال بصيغة مختلفة : هل تظن أن المشرق كبير والمغرب صغير؟

الجواب لا،. هما متشابهان في الحجم والسعة،.

كذلك السماوات والأرض،. لهما نفس الحجم، فقد قال موسى ﷺ قبلها بآيات،. ﴿قَالَ ((رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)) إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ [الشعراء 24]

ولن تفهم كلمة ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ إن كان المتباينان أحدهما كبير جداً جداً، والآخر صغيرٌ جداً جداً! لابد أنهما سواء،.

ـــ فـلا يمكن أن تكون الأرض (الكوكب) داخل السماوات،. فلا يمكن أن يكون المتباينان داخلان ببعضهما البعض،.

ــ مثال، ليتضح المقال،...

قالَ نَبِيّ اْللّٰه ﷺ ﴿ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة﴾ أخرجه مالك، وأحمد، والبخاري، ومسلم، والنسائي، وغيرهم،.

فالبيت والمنبر متباينان عن بعضهما،. بينهما مسافة معينة معلومة،. ليسا متداخلان في بعض، أمّا لو قال (ما بين مسجدي ومنبري روضة...) فسيقال: أين تحديداً؟! لن يعلم أحدٌ المراد،. هل المراد هو المسجد كله؟! فحينها يكفي إذاً أن يقول (مسجدي روضة من رياض الجنة)! ولا داعي لذكر المنبر،. فهو داخل المسجد لزاماً،.

فمن الخطأ أن تقول (أشعر بألمٍ بيني وبين صدري!)،. وين؟حدد أين هذا؟ فصدرك داخلك، منك وفيك،. ومن الخطأ أن تقول (سأفرش ورداً بين بيتي وغرفتي)!،. هذا خطأ،. فغرفتك داخل بيتك،. وليست متباينةً عنه ولا منفصلة،. ولكن قل سأفرش ما بين الباب والغرفة! فهذان متباينان عن بعضهما وليسا متداخلان،. وقل أشعر بألم بين كتفي وصدري، ليفهم الطبيب أين تقصد بالضبط،.

فلا يمكن أن تكون ((الأرض؛ داخل السماوات)) وذلك لقول اللّٰه :-

﴿رَبُّ ((السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)) فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ..﴾ [مريم 65]

لاحظ كلمة (وَمَا بَيْنَهُمَا).

﴿لَهُ مَا ((فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)) وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ﴾ [طه 6]

﴿وَمَا خَلَقْنَا ((السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا)) لَاعِبِينَ﴾ [اﻷنبياء 16]

﴿رَبُّ ((السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)) وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ [الصافات 5]

﴿الَّذِي خَلَقَ ((السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا)) فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ..﴾ [الفرقان 59]

﴿وَمَا خَلَقْنَا ((السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا)) بَاطِلًا ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص 27]

﴿رَبِّ ((السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)) الرَّحْمَٰنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا﴾ [النبأ 37]

فالتباين يعني أنهما منفصلان عن بعضهما بينهما (بَون وبَين) وليسا داخلان ببعضهما،.

رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾

By Dr. Mu7sin