في الأرض، أم على الأرض؟!


by Mu7sin


Posted on January 1, 2019 at 12:00 PM



﴾قُلْ سِيرُوا ((فِي الْأَرْضِ)) ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴿


في الأرض، على الأرض

قال بعض الإعجازيين (الذين يؤمنون بالإعجاز العلمي في القُــرآن)، أنك لا تجد في القُــرآن سوى كلمة (في الأرض)، مثل ﴿قُلْ سِيرُوا ((فِي الْأَرْضِ)) ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [اﻷنعام 11]،. ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ ((فِي الْأَرْضِ)) يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ...﴾ [اﻷنعام 116]،. والآيات لمن يعيشون على سطح الأرض،. وليس بداخل الأرض!

فاستنتجوا منها أن الغلاف الجوي يعتبر قطعة من الأرض، وبهذا، فهو يدور مع دوران الأرض! وإلا، فلِمَ لَــم يذكر الله (على الأرض)؟ وهكذا أصبح سطح الأرض عندهم ينتهي عند طرف الغلاف الجوي،. وكل ما فوق الغلاف الجوي (كالأقمار الصناعية) تعتبر على الأرض، وليست في الأرض!!!

حتى لا نطيل الكلام،. نقول قالَ اْللّٰه،. ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا ((عَلَى الْأَرْضِ)) زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۝ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا ((عَلَيْهَا)) صَعِيدًا جُرُزًا﴾ [الكهف 7 ــ 8]

الآن،. هل تظن أن الله يقصد الأقمار الصناعية التي هي خارج الغلاف الجوي لأنه قال هنا على الأرض؟!

وقال كذلك،. ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ۝ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ ((عَلَى الْأَرْضِ)) هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان 62 ــ 63]

قل لي بربك،... عباد الرّحمنْ داخل الغلاف الجوي أم أعلاه؟!

في الحقيقة أن القرآن فيه بعض الكلمات التي تستعاض بكلمات أخرى، تؤدي ذات المعنى أو تدعمه أو تفسره،. مثل (انبجست وانفجرت) (انشقت وفطرت) (يظنون ويخرصون) (فاعبدون فاتقون) (صعق وفزغ) (يروا ويعلموا)،. ومثلها في الحروف (أو و الواو) (به وفيه) وهنا (في وعلى)،. وقد تأتي أحياناً كلمة (على) بمعنى (في)،. والعكس صحيح،.

قالَ اْللّٰه ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ ((فِي السَّمَاءِ)) أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ۝ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ ((فِي السَّمَاءِ)) أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ﴾ [الملك 16 ــ 17]،. الله خالق السماء، فالسماء خلق من خلقه، لا يكون الخالق داخل المخلوق،. إنما هذه تعني على وفوق،.

وقال الله نقلاً عن فرعون،. ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ((وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)) وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ﴾ [طه : 71]،. واضح أنه يقصد على جذوعها وليست داخل الجذع!

وفي الحديث،. عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السلمي قال ﴿كانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله ﷺ فعظم ذلك على قلت يا رسول الله أفلا أعتقها، قال: ائتني بها، فأتيته بها فقال لها أين الله، قالت ((في السماء))، قال: من أنا، قالت أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة﴾ أخرجه مالك "موطأ"، وأحمد، والبخاري في القراءة، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.

فكلمة (في) فيما سبق كانت تعني (على)،. ويصح العكس فيها كذلك،.

ــــــ أما الذي احتجوا به هو (في الأرض)،. على أساس أنه دائماً في بمعنى الداخل،. واضطروا لأجل هذا أن يجعلوا الغلاف الجوي جزءً من الأرض،. فهل ينطبق قولهم هذا على بقية الكلمات كالبحر مثلاً؟! أم أن كلمة (في) حصرية للأرض فقط؟! لنقرأ بعض الآيات عن البحر وننظر،،.

قالَ اْللّٰه،. ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي ((فِي الْبَحْرِ)) بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ..﴾ [البقرة 164]
وقال،. ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ ((فِي الْبَحْرِ)) ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ..﴾ [اﻹسراء 67]
وقال،. ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ ((فِي الْبَحْرِ)) لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ..﴾ [اﻹسراء 66]
وقال،. ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ ((فِي الْبَحْرِ)) كَالْأَعْلَامِ﴾ [الشورى 32]

الآن،. هل الفلك (السفن) تجري داخل البحر بفهمكم؟! هل هي غواصات؟؟ أم ستقولون أن الغلاف الجوي جزء من البحر كذلك؟! بالتأكيد لا هذه ولا تلك،. ولكن كلمة (في) هنا تعني (على)،. ومثله كذلك حين يقول الله (على الأرض) فلا داعي للتنطع ومحاولة ليّ النص حتى يوافق ما قالته ناسا أو العلم الحديث!

رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾،.