(فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16


by Mu7sin


Posted on January 1, 2019 at 12:00 PM



[قالَ اْللّٰه،. ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ۝ ((الْجَوَارِ)) الْكُنَّسِ﴾ [التكوير 15 ــ 16]


Al Jawari Contemplation from the Quran (FlatEarth)

قالَ اْللّٰه،. ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ۝ ((الْجَوَارِ)) الْكُنَّسِ﴾ [التكوير 15 ــ 16]،.

لماذا يظن الناس بأن الجوار الكنس هي النجوم؟! ذلك بسبب التفاسير،. ولكن التفاسير قالت النجوم، وقالت كذلك قولاً آخر عجيبٌ وغريب، قالت الجوار هي البقر الوحش والظباء! بل رجحت البقر أكثر من النجوم (ألف علامة تعجب!!! ما الشبه بين النجوم والبقر؟)،. وكيف البقر تكنس؟ وكيف النجوم تكنس؟ ولماذا كلمات ((الجوار)) الأخريات التي ذكرها الله في القُــرآن لم يقولوا بأنها النجوم أو الأبقار الوحشية؟!،. ففي قوله ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ ((الْجَوَارِ)) فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَام﴾ [الشورى 32]،. وفي قوله،. ﴿وَلَهُ ((الْجَوَارِ)) الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ﴾ [الرحمن 24]،. فقال المفسرون هي السفن!! ولا تسأل عن دليلهم وبرهانهم،. هم كعادتهم ودأبهم لا يستدلون بشيء سوى قيل وقال وهذا ما يكرهه الله لنا،. قالَ نَبِيّ اْللّٰه ﷺ،. ﴿... إن الله كره لكم ثلاث، قيل وقال....﴾ أخرجه البخاري ومسلم،.

سنبحر في هذا التدبر في أغوار هذه الكلمة القرآنية التي أسيء فهمها وتداولها بين الناس وقبلهم علماء التفسير،. ((وفتحوا الباب ليزعجنا أصحاب الإعجاز العلمي بأنها الثقوب السوداء التي تشفط كل شيء في الفضاء))،. لننظر كيف أنهم أخطؤوا في تفسيرهم، وكل ذلك بالبراهين والبينات من القُــرآن نفسه إِنْ شٰاْءَ اللّٰه،.

قال الله،. ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ ((الْجَوَارِ)) فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَام﴾ [الشورى 32].
وقال،. ﴿وَلَهُ ((الْجَوَارِ)) الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ﴾ [الرحمن 24].

ما معنى الجوار؟ هل هي الفُلك والسُفن كما يشاع؟! أم هي شيءٌ آخر؟

بالرجوع إلى أشهر التفاسير وأكثرها اتباعاً وتصديقاً،. (الطبري والقرطبي وابن كثير والسعدي وغيرهم) كلهم فسروها أنها السفن قولاً واحداً!،. وكالعادة، لا دليل ولا مستمسك، سوى عزوٍ لفلان وعلان من غير النّبي ﷺ،.. ونقولات لكلامهم من غير تحقيق لسند، ولا فحص لقول ولا متابعة ومطابقة للوحي، ولا مراجعة للقُـرآن،.. عندهم الجوار هي السفن وهكذا،... قضي الأمر الذي فيه تستفتيان! وهكذا درج بقية المسلمون على هذا التفسير،. وسيتبين في هذا التحقيق أنهم جانبوا الصواب فيها،. وعلى خطئهم هذا سار كل من بعدهم إلى يومنا هذا،. لا أقول أنهم عليهم وزر الناس، ولكن سيحاسبون بما قالوا دون بينة ولا برهان،. وهكذا كل من تكلم في القُــرآن برأيه أو فسر كلام الله دون حجة من القُــرآن نفسه،.

وليت المفسرون (كونهم أهل علم) أحضروا الدليل على ما قالوا، فهم أهل الدليل، خاصةً أنهم لو بحثوا قليلا في القُــرآن لوجدوا أدلةً وأدلةً على تفسيرهم هذا بأن الجوار هي السفن،. ولكنهم كعادتهم يتبعون ما وجدوا عليه الناس من قبلهم من غير الأنبياء،. وبمجرد أن فلاناً من التابعين أو من العصر الأول قال كذا أو كذ فينتهى عنده، هذه عندهم كفيلة أن يستغنوا عن الدليل بالكلية!!

فمثلا، لو كنت أنا مثلهم، وأردت أن أدعم وأعزز لقول الأولين بأدلة من القُــرآن،. لقلت صحيح، إن الجوار هي الفُلك (السفن) بدليل الآيات التي ذُكِر فيها نعت (الجريان) منسوبٌ (للفُلك) فبالتالي هي الجوار،. من مثل،. ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ ((مَجْرَاهَا)) وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ۝ ((وَهِيَ تَجْرِي)) بِهِمْ فِي مَوْجٍ كالْجِبَال...﴾ [هود 41 ــ 42]،. ومثل،. ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ ((وَالْفُلْكَ تَجْرِي)) فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ...﴾ [الحج 65]،. ومثل ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ ((الْفُلْكَ تَجْرِي)) فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ...﴾ [لقمان 31]،. ومثل ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ۝ ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا)) جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾ [القمر 13 ــ 14]

على الأقل بهذا الاستدلال، أكون قد رفعت الملامة عني وعمن قبلي،. (سواء أصبت فيه أو أخطأت) ولكني حاولت جاهداً أن أستدل، ويكون عندي مستمسك من الكتاب،. قد أتيت بــبينة على أن الفلك تجري في البحر،. فهي جوارٍ تجري، أليس كذلك؟،.. بلى،.. ولكن المحقق لا يكتفي بهذا القدر، بل يسأل الله الهدى ويبحر في القُــرآن أكثر، ويقف على الكلمات ويتدبر ويتأمل،. حتى يَطْمئن قلبه أنه وجد فيها البراهين القاطعة، والأدلة الشافية الوافية ويُطَمئن قلبه،. فالقول بأن الجوار هي السفن أو الفلك خطأ،. وتلك الأدلة (التي لم يأت بها أهل التفاسير) لا تكفي،. ذلك لعدة أسباب،.

ــــ أولاً،. الجري في تلك الآيات كلها أفعال للفلك،. وليست أسماء الفلك،. وليس الفلك وحده يجري،. بل الأنهار تجري، والريح تجري، والشمس والقمر يجريان، والليل والنهار يجريان، وغيرها، فلماذا تجمع فقط كلمات الجريان التي كانت في السفن وتترك البقية؟!

ــــ ثانياً،. الله لم يسمها جوار كإسمٍ للفلك أو للسفن، ولا مرة، بل سماها اسماً آخر،. هو الصحيح إن كنت لابد مُشتقّاً من الفعل اسماً لها،. فقل كما قالَ اْللّٰه،. قالَ اْللّٰه،. ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ ((حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ))﴾ [الحاقة 11]،. هذه هي الفلك أو السفن،. فبالتالي:- الاسم المشتق من فعل ((جريان السفن)) هو (الجارية)، وليس الجوارِ، ولو قلت هذه مفردة، جمعها هو (الجوار)، أقول أخطأت، جمع الجارية هي (الجاريات)،. قالَ اْللّٰه ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ۝ فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ۝ ((فَالْجَارِيَاتِ)) يُسْرًا ۝ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ۝ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ۝ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾ [الذاريات 1 ــ 6]،. فالسفن جارية، وجمعها جاريات وليس جوار،.

ــــ ثالثاً، الفلك والسفن لا تشبه الأعلام! حتى لو كانت بالأشرعة العالية، كذلك لا تشبه الأعلام، وحتى لو كانت ضخمة كبيرة، السفن تكون عريضة في البحر، ليست كالأعلام، الأعلام تكون شاهقة عالية مرتفعة، والسفن ليست كذلك،. وسنأتي على تفصيلها تفصيلاً عميقاً بإذن الله،.

ــــ رابعاً، قال الله عنها أنها مُنشَآت في البحر، وقال (في قراءة أخرى) مُنشِآت في البحر،. فهي مُنشَأة، ومُنشِئة!، قد نفهم من كلمة (مُنشَأة) أن الإنسان أنشأ الفلك، ولكن الفلك منشِئة! كيف تفهمها؟! تنشئ ماذا؟! هل السفن تنشئ سفناً أخرى أم ماذا؟! ثم حتى إن قلت أن الإنسان أنشأ السفن فهذا خطأ،. لأن فعل الإنشاء في القُــرآن لا تنسب للإنسان، بل دائما تُنسبُ إلى الله،. وليس للإنسان يدٌ فيها،. مثال،.

﴿وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ..﴾
﴿..كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾
﴿وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ..﴾
﴿هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ﴾
﴿..فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ..﴾
﴿..فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ..﴾
﴿وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ..﴾
﴿...فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ..﴾
﴿قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ..﴾
﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ..﴾
﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ..﴾
﴿إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً﴾
﴿أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ﴾
﴿قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ..﴾

كلها منسوبة للّٰه،. الله هو الذي ينشئ،. فهل أنشأ الفلك؟ لا. هل ذكر في القُــرآن أنه ينشيء الفلك؟ لا. بل الفلك من صنع البشر،. وليست من إنشاء الله،. ولو قلت أن كل شيء للّٰه، نعم ولكن لا ننسب نشأةً للّٰه هو لم ينسبها لنفسه،. ثم الأمر الآخر والمهم، حين يكون الكلام عن الفلك والسفن، فلا يُستخدم معهن كلمة (إنشاء)، بل كلمة (صنع)،. قالَ اْللّٰه ﴿((وَاصْنَعِ الْفُلْكَ)) بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا..﴾ [هود 37]،. وقال ﴿((وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ)) وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ...﴾ [هود 38]،. وقال ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ ((اصْنَعِ الْفُلْكَ)) بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا...﴾ [المؤمنون 27]،. فالصحيح أن يقال صنع الفلك، وليس أنشأ الفلك،. السفن تصنع صناعةً، أما الجوار فمُنشأة إنشاءً،.

ــــ خامساً،. هذه الكلمة (الجوار) وردت في القُــرآن في ثلاثة مواضع، بنفس التشكيل تماماً،. اثنتان منها قيل بأنها السفن، والأخيرة ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ۝ ((الْجَوَارِ)) الْكُنَّسِ﴾ [التكوير 15 ــ 16] قيل بأنها النجوم والكواكب، لماذا لم تقولوا هي السفن كذلك؟،. وآخرون قالوا بأنها البقر الوحشي والظباء! كيف؟ ولماذا؟ يا أهل التفسير! لا ينبغي أن يقال كلها معنىً واحدٍ إلا هذه!!، لماذا جعلتم الأخيرة تختلف عنهن؟! بل هي كلها سواء،. وتحمل ذات المعنى،. وكذلك كل كلمات القُــرآن، إن تكررت كلمة بنفس الحروف والتشكيل،. فهي نفسها، وليست معنىً آخر مختلف،. ولكن لو اختلف التشكيل فيحق لك فهمها على معنىً آخر كالــ (الجَنّة، والجِنّة، والجُنّة)،. ولكن هذه جائت بنفس التشكيل، فما الصارف عنها لمعنىً آخر؟!

مثال على كلمات القُــرآن المكررة رغم اختلاف السياق،. ذكر الله كلمات تكررت في القُــرآن، هل تغير معناها باختلاف مواقعها؟! لا،. فكلمة الطور في القسم ﴿والطور﴾ هو نفسه الطور الذي ذكر في سورة التين ﴿وطور سينين﴾ رغم اختلاف السياق،. والنهر في القُــرآن كله على معنى واحد رغم اختلاف السياق، كذلك النجوم والكواكب، وموسى مع (الخضر)، هو نفسه موسى (بني إسرائيل) وليسا رجلين مختلفين رغم اختلاف السياق تماماً فلا وجود لبني إسرائيل في سورة الكهف، ولا وجود ذكر للخضر خارج الكهف ولا بالإشارة حتى،. النهار، الليل، الشمس، القمر، كلها تحمل ذات المعنى في القُــرآن،. بعض الكلمات قد تنحصر في جزء من معناها وقد تشمل كل معناها،. مثل كلمة الأرض في ﴿وإلى الأرض كيف سطحت﴾ هذه كل الأرض، ولكن نفس الكلمة في سورة يوسف ﴿لن أبرح الأرض﴾ تعني جزء منها،. ولكن لا تخرج عن معنى الكلمة الشامل، ففي كليهما الأرض هي الأرض التي تحتك ولم يختلف معناها لمعنى مغاير متباين كالاختلاف بين (السفن والنجوم والظباء والبقر الوحش)! ما العلاقة بين السفينة والكواكب والبقر؟!!! واحدة للبر، وواحدة للبحر، وواحدة للسماء؟،. عجيب،.

ــــ سادساً،. بعيداً عن جريان النجوم،. هل الكنس والخنس من صفات النجوم والكواكب؟! لا،. لو جمعت آيات القُــرآن ستجد أن الله يذكر عن النجوم والكواكب ثلاثة أمور فقط،. 1ــ زينة للسماء الدنيا،. [بروج، مصابيح] 2ــ رجم للشياطين،. [الطارق، نجم ثاقب، شهاب ثاقب، شهاب راصد، شهاب مبين] 3ــ حفظاً للسقف وحرساً،. [من الشيطان المارد، من الشيطان الرجيم، من الجن الذين يسترقون السمع]،. لأي من هذه النعوت هي الجوار أو الخنس أو الكنس؟! لا شيء. حتى فعل الجريان لم تنسب بتاتاً للنجوم والكواكب بل نسبت للّيل والنهار والشمس والقمر،. فمن أين لهم أن النجوم والكواكب تجري أصلاً؟! هذه ذكرت في سورة التكوير وسنأتي على تفصيلها بإذن اللّٰه،...

ــــ سابعاً،. لماذا قيل بأن (الخنس الجوار الكنس) هي البقر الوحش والظباء؟! قيل لأنها تكنس إلى الظل! وتختبئ من السباع،. وتخرج للطعام ثم ترجع، وهذا الخنس!! لابد أنكم تمزحون!! هذه الصفات في معظم البهائم كالغزال والأرنب والضب والزرافة ووحيد القرن والكنغر،. فلم اخترتم البقر الوحش والظباء تحديداً؟! والله لو كان لديكم دليلا من الله لسكتنا وآمنوا به مباشرةً دون نقاش،. ولكن تقولون هذه تعني كذا ثم تتهمون غيركم أنه يتكلم بالرأي في القُــرآن؟! لو قلت بأنها تعني الأسود والنمور ولم آت بالبرهان،. فقط هكذا (كيفي) فهل ستقبلون أم ستتهموني أني أتكلم في القُــرآن برأيي؟! هذا ما أنتم عليه،. وكلامكم هذا خطأ، الجوار ليست السفن ولا الفلك ولا البقر ولا الظباء ولا الأسود ولا النمور،. فما هي؟!

ــ بهذا أرجو أني قد أفرغت آنيتكم من القول بأن الجوار هي السفن والبقر، ليكون عندكم الآن في الإناء متسعٌ نصب فيه من البراهين على معنى الجوار،.

.
.
.
.
.

ــــــــــ فما هي الجوار إذاً؟!

نستعين باللّٰه ليهدينا ويدلنا عليها،. هنا نبدأ بتدبر القُــرآن،. والوقوف المطوّل على كل كلمة ولو أخذت من أعمارنا ما أخذت، فلا شيء أجود ولا أحسن من صرف وقتك وعمرك في القُــرآن وتدبر كلمات الله،.

لنعلم معنى الجوار، علينا أن نعلم أولاً معنى الأعلام،. لأن الله شبه الجوار بالأعلام،. فما معنى الأعلام؟! العَلَم هو الجبل الشاهق، الجبل العالِ، الجبل المرتفع،. وسمي علماً لأنه عالٍ مرتفع فيُرى من بعيدٍ ((فيُعلم))،. وهو كالــ ((علامة)) الثابتة الدالة على الطريق،. وكذلك يقال لكل شاهقٍ علم لذات السبب،. فتجد شعارات الدول التي ترفع تسمى أعلام، والرموز القيمة والشخصيات المؤثرة والقدوات العالية يسمونهم كذلك ((أعلام)) لذات السبب،. ويقال للمشهور جداً الذي ذاع صيته في الأفق: (أشهر من نارٍ على عَلَم)،. لأنه لو اجتمع الجبل الشاهق الواضح مع النار المضيئة فسوف تُرى ((وتُعلم)) من مسافاتٍ بعيدة،. ومنه اشتق لفظ (العِلْم) الذي (يرفع) صاحبه العالم،. فالعِلم مقترن بالرفعة والدرجات العالية،. قالَ اْللّٰه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ((يَرْفَعِ)) اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ((وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)) وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة 11]،.

فالأعلام هي الجبال الشاهقة العالية،. وليست السفن كالأعلام، فهي ليست شاهقة، ولكنها جند عظيم من جنود الله، ألا وهي *(((الأمواج العالية العاتية)))* في البحر (مثل تسونامي)، تكون شاهقة عالية،. يُشبّهُها الله بالجبال،. (الأعلام)،. ولاحظ كيف يشبه الله الأمواج بالجبال هنا صراحةً،. ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي ((مَوْجٍ كَالْجِبَالِ)) وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ [هود 42]،.

فشبه الله الأمواج العاتية بالجبال وشبه الجواري بالأعلام (الجبال الشاهقة)،. فالجواري هي الأمواج،.

وليست هذه وحدها،. بل كذلك ذكر الله الموج أنه كالظلل،. ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ۝ وَإِذَا غَشِيَهُمْ ((مَوْجٌ كَالظُّلَلِ)) دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان 31 ــ 32]

قالَ اْللّٰه ﴿موج كالظُّلل﴾؟! ما هي الظلل؟! ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا ((الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ)) وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [اﻷعراف 171]،. الجبل العال الشاهق يُحدِث ظلاً واسعاً،. وكذلك الموج،... شبه الله الموج بالظلل التي تُحدثها الجبال،. ذلك لأن الأمواج العاتية كالجبال تماماً،.

اقرأ أين ذكر اْللّٰه الجوار،. ولاحظ أن سياق الآيات كلها عن الماء،. وما يحدث في البحر، وليس عن السماء والنجوم،. ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ۝ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ۝ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى 32 ــ 34]

﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ۝ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ۝ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ۝ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ۝ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۝ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن 18 ــ 27]،. تُقرأ الجوارِ بالكسر، وتقرأ الجواري بالياء الممدودة، وهي قراءة صحيحة.

وفي سورة التكوير،. التي تتحدث عن يوم الحشر،. تأمل حال الأرض والبحر وكيف أن كل شيء يلزم الناس ويدفعهم للحشر،. ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ۝ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ۝ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ۝ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ۝ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ۝ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ [التكوير 1 ــ 6]،. من أول السورة يتكلم الله عن التكوير(¹) الذي معناه الإخفاء،. ثم انكدار النجوم وهو الطمس والإخفاء كذلك بعد بيانها وظهورها للناس،. ثم كيف تحشر الوحوش العنيدة القوية غصباً عنها من هول ما تراه من تسجر البحر،. فكيف صار شكلها؟! قالَ اْللّٰه بعدها بآيات،. ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ۝ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ۝ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ [التكوير 14 ــ 16]،. الخنس في اللسان كذلك الإختفاء والضمور والاضمحلال، وخنس أي توارى وغاب،. ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ ((الْخَنَّاسِ)) ۝ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾ [الناس 4 ــ 5]،. الذي يوسوس في صدرك خلسة وهمساً، يدفعك للشر وأنت لا تراه لأنه خناس،. والأخنس الذي تفلطح أنفه، وسميت الخنساء بهذا لقصر انفها،. وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن النّبي ﷺ قال ﴿اﻟﺸﻬﺮ ﻫﻜﺬا ﻭﻫﻜﺬا، ((ﻭﺧﻨﺲ اﻹﺑﻬﺎﻡ)) ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ﴾،. أي قبضه وأخفاه، وفي البخاري من حديث أبي هريرة قال ﴿ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻟﻘﻴﻪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﻫﻮ ﺟُﻨُﺐٌ، قال ((فانخنست)) ﻣﻨﻪ، ﻓﺬﻫﺐ واﻏﺘﺴﻞ ﺛﻢ ﺟﺎء...﴾ فانخنس أي توارى عنه وأخفى نفسه،. وهكذا الأمواج، تكون خانسة في أصل البحر، وما أن تهب الرياح ويُسجر البحر بأمر الله تخرج من الماء وتَحشر الوحوش، وشبه الله هذا الحشر الذي تفعله الأمواج بأنه كنس، كما تكنس الوسخ وتحشره في مكان،.

جائت هذه الكلمة في سورة التكوير،. فما معنى كَوّرَ؟ وهل يتوافق المعنى مع ما ذكرناه عن الخنس؟!

التكوير بالعربية هو تداخل الشيء في الشيء بغرض الاخفاء، الإخفاء بالتدرج، أو إيلاج الشيء في الشيء، أو تغطيته.

قالَ اْللّٰه،. ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ [التكوير 1]، هذه الآية على يوم القيامة، ولكن كيف تتكور الشمس يومها؟! هذا التكوير للشمس يحدث حين تُجمع الشمس مع القمر فتختفي وكأنها تخسف، قالَ اْللّٰه في سورة القيامة ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ۝ ((وَخَسَفَ الْقَمَرُ ۝ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ))﴾ [القيامة 7 ــ 9]،. فتداخل الشيء في الشيء تكوير، وهكذا الليل والنهار يتداخلان،.. ولتفهم معنى التكوير فهما صحيحاً، انظر في القرآن ماذا قال الله عن الليل والنهار من غير آية يكور الليل على النهار،. قال عنهما ﴿..((يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ)) يَطْلُبُهُ حَثِيثًا..﴾ [اﻷعراف 54]،. ويغشي تعني يخفي ويستر ويغطي،. وقال ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ ((نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ))..﴾ [يس 37]،. والسلخ يُظهر ما كان موارىً ومستور،. وقال ﴿((يُولِجُ)) اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ((وَيُولِجُ)) النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ..﴾ [الحديد 6]،. الولوج الإدخال بالتدرج حتى يختفي،... كلمات ثلاثة، ((يغشي، يسلخ، يولج))،. كلها تدعم بعضها في المعنى والفعل،. بمعنى تخفي احداها الاخرى، وتغطيها وتسترها،. لتدلك مباشرة على معنى ((يكوّر)) وهكذا يفسر القُــرآن، بالقرآن نفسه،. والذي يدعم هذا القول أكثر هو سياق آية التكوير،. فبعد تكوير الشمس تكلم الله عن كدرة النجوم،. ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ۝ وَإِذَا النُّجُومُ ((انْكَدَرَتْ))﴾ [التكوير 1 ــ 2]،. انكدرت واختفت واضمحلت بعد أن كانت ظاهرةً للناس مبينة!

فالتكوير تغطية الشيء بالشيء، إضمحلاله، توريته، إخفاؤه، وكان العرب يقولون كور عمامته، فهو يغطي بعضها ببعض،.

كان النّبي ﷺ يستعيذ في السفر من الحور بعد الكور،. فعن ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﺮﺟﺲ، ﻗﺎﻝ ﴿ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺇﺫا ﺳﺎﻓﺮ، ﻗﺎﻝ: اﻟﻠﻬﻢ ﺃﻧﺖ اﻟﺼﺎﺣﺐ ﻓﻲ اﻟﺴﻔﺮ، ﻭاﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻲ اﻷﻫﻞ، اﻟﻠﻬﻢ اﺻﺤﺒﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﻔﺮﻧﺎ، ﻭاﺧﻠﻔﻨﺎ ﻓﻲ ﺃﻫﻠﻨﺎ، اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﻭﻋﺜﺎء اﻟﺴﻔﺮ، ﻭﻛﺂﺑﺔ اﻟﻤﻨﻘﻠﺐ، ((ﻭﻣﻦ اﻟﺤﻮﺭ ﺑﻌﺪ اﻟﻜﻮﺭ))، ﻭﺩﻋﻮﺓ اﻟﻤﻈﻠﻮﻡ، ﻭﺳﻮء اﻟﻤﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻷﻫﻞ ﻭاﻟﻤﺎﻝ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﻄﻴﺎﻟﺴﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭاﻟﺪاﺭﻣﻲ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.

قالوا قديماً "بالضد تُعرف الأشياء" أو "بضدها تُعرف الأشياء" فلا تعرف الصحة إلا بالمرض ولا البصر إلا بالعمى ولا الشبع إلا بالجوع ولا الفراغ إلا بالشغل ولا النور إلا بالظلام،. من الحديث السابق، يتبين أن الكور عكس الحور، فما معنى حور؟! فلو عرفنا معنى الحور سنتبين من معنى الكور لزاماً،.

الحور في العربية هو الواضح،. البين،. الجلي،. المنكشف، ليس فيه نفاق، أبيض تمام البياض،. أو أسود تمام السواد،. ليس رمادي بين وبين،. ومنها (الحور العين)! التي ترى مخ ساقها من الحسن، قال اللّـه عنهن ﴿((عُرُبًا)) أَتْرَابًا﴾ [الواقعة : 37]،. عرب أي: واضحات، متكشفات لأزواجهن،. والإعراب الإظهار والتوضيح، والأعراب البدو البادين المنكشفين، والقُــرآن عربي أي مبين وجلي،. ومنها كذلك ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ ((يَحُورَ))﴾ [الانشقاق : 14] أي يظن أنه لن ينكشف ويظهر! والحِوار حين يظهر كل متحاور ما يبطنه،. والحُر عكس العبد، العبد مقيد محكوم في ضيق من أمره ولا يتكلم إلا بإذن سيده، بعكس الحُر يخرج ويظهر ويبوح وليس بمقيد ولا ممنوع، وفي الجو الحار تكشف عن جسمك لتتهوى، بعكس البرد تتغطى وتتستر، النار أشهر مصادر الحرارة، النار علامة ظاهرة تكشف مكانك وتظهره للبعيد، عكسها الجنة المخفية المحفوفة بالشجر، والجِن مخفي، كذلك الجنين، والمجن يخفيك ويسترك، بالحرارة تتباين أجزاء الطعام وتنطبخ، تخرج الدم والروائح، وتفتت وتفكك اليابس،. عكس البرد الذي يحافظ على هيئة الطعام،. الحور تباين وإظهار وشدة وضوح،. وانظر لشدة وضوح الحواريين وصراحتهم،. ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ((هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ)) أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ قَالُوا ((نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا)) ((وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا)) ((وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا)) وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة :112 ـ 113]

فتبين الآن معنى الحور، فبالتالي الكور يقابله في المعنى، فيكون هو الخفي المستور المغطى،. وهذا يوافق بقية الكلمات التي ذكرت عن الليل والنهار،. ويتوافق توافقاً عجيباً مع الخنس الذي تحدثنا عن من قبل وأن معناه الخفاء والمواراة،. وهذه نعت الأمواج، فهي لا ترى وهي في البحر، وتظهر فجأة بإذن اللّٰه وإذا ظهرت تحشر الناس حشراً وتحشر الدواب والبهائم جميعها، تحشر الوحوش، تكنسهم كنساً كما تكنس المكنسة الوسخ والهوام،..

وسميت الأمواج العاتية بالجوار لأن الرياح تجرها، وهي تجر الناس والوحوش،. وتجر معها كل شيء،. فالجوار من الجرّ وليس من الجريان،. وكما شاهدنا في أمواج تسونامي وكيف كانت تكنس الناس والسيارات والبيوت وكل شيء في طريقها، تجرها جراً،. وهذا المعنى متوافق مع الكنس الذي يجر معه الوسخ،.. ولا علاقة للنجوم بالجوار، فالنجوم لا تكنس، ولا الكواكب ولا الثقوب السوداء الوهمية، ولا البقر يا أصحاب التفسير،. كلها ليس لها علاقة بالكنس،.

الأمواج العاتية (تسونامي) جند من جند الله عظيم،. تكنس، تخنس، عالية كالجبال الأعلام،.

﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [يونس 22]

ــــ شبهة سياق الآية أنها تدل على السفن!

ــــ يسكن الريح فيظللن رواكد،.

قالَ اْللّٰه،. ﴿إِنْ يَشَأْ ((يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ)) عَلَىٰ ظَهْرِهِ..﴾،. واضح أن الجوار متعلقة بالريح علاقة طردية مباشرة، فبلا ريح لا جوار،،. ولكن السفن اليوم لا تحتاج للريح، فهي تندفع بالمحركات وبالوقود،. ولو كانت الريح ساكنة،. فبالتالي الجوار ليست السفن،. ولا ننسى أن السفن قديماً في حال سكون الرياح كانت تستخدم المجاديف، فليست كل السفن بحاجة للرياح،. وفي السفن الشراعية التي يظنون أن أشرعتها المثلثة تشبه الأعلام!! في حال تغير اتجاه الرياح، فسوف تتوقف السفن تماماً لصعوبة الإبحار،. حتى قال المتنبي قوله فصار مثلاً شهيراً عند العرب (ما كل ما يتمناه المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن)،. فالجوار ليست السفن، بل الموج الذي يحتاج للرياح ليظهره ويدفعه،.

ــــ رواكد،.

السفينة إذا توقفت لا يقال عنها ركدت!! بل يقال عنها رست، هذه لا تحتاج لدراسة ولا شيخ يلقنك، بينما الموج الذي في الماء، لو توقف وسكن يقال عن الماء أنه ماء راكد وفي الحديث (نهى نَبِيّ اْللّٰه ﷺ عن البول في الماء الراكد) لذا قالَ اْللّٰه ﴿إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ ((فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ))..﴾ فالجوار الأمواج وليست السفن،.

ــــ يوبقهن،.

كلمة وبق ذكرت في القُــرآن مرتين، هذه الأولى (يوبقهن) والأخرى في الكهف تفسر هذه الكلمة،. ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ((وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا))﴾ [الكهف 52]،. بمعنى حائلا حاجزاً مانعاً،.

فــ ﴿يوبقهن﴾ تعود على الأمواج المتلاطمة الشديدة، أن الله يحول بينها ويمنعها فيسكنها،.. فــ ﴿مَوْبِقَاً﴾،. أي حائلاً،. و ﴿يُوْبِقهُنّ﴾ يحول بينهن، فهي من الحيلولة، وهي متعلقة بالموج، وهنا دليل أن الحيلولة تذكر في الموج،. ﴿قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ((وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ)) فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود 43]

ــــ تتمة الآية (بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ)،.

هذه قد ذكرها الله قبلها في نفس السورة، ففسرتها،. قال،. ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ ((فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) ۝ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ۝ وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ۝ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ۝ أَوْ يُوبِقْهُنَّ ((بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ))﴾ [الشورى 30 ــ 34]

فالخطاب هكذا،. ﴿إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ (المسببة للموج) فَيَظْلَلْنَ (الأمواج) رَوَاكِدَ (كلمة راكد للماء دوما وليست للسفن) عَلَىٰ ظَهْرِهِ (ظهر الماء)، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (من الناس) ۝ أَوْ يُوبِقْهُنَّ (يجعل الأمواج تهلكهم) بِمَا كَسَبُوا (الناس) وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ﴾،.

ــــ أما من استدل بخاتمة ﴿إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ((إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ))﴾ فقال أنها الفلك لأنها تشبه خاتمة هذه الآية من لقمان، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ ((إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ))﴾

فليكمل الآية الأخرى، لو أكملها لبطل دليله، ولعُرف أنها تحتمل السفن، وتحتمل الموج، بل الموج أقرب لها،.

قالَ اْللّٰه ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ ((إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ۝ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ)) دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان 31 - 32]

ــــ القسم بالخنس الجوار الكنس،.

يقسم الله في القُــرآن بما عظم من مخلوقاته، ولم يقسم مرةً واحدة على شيء من صنع البشر،. فكيف يقسم بالسفن؟! ﴿فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس﴾،. ثم إن الله نسبها له ملكيةً فقال ﴿وله الجوار..﴾ ولم ينسب شيئاً من صنع البشر لنفسه قط،.

ــــ لا يوجد جند من جنود الله من صنع البشر!،.

ليس من العجب أن يقسم الله بخلق عظيم وجند كبير من جنوده، خاصةً أنه استخدم هذا الجندي كثيراً في إهلاك الأمم كقوم نوح، وكقوم فرعون، ولكن المستهجن واللا معنى أن يقسم الله بشيء من صنع البشر مهما بلغ عظمته! فهل اقسم الله بالقصور العالية؟ هل اقسم بالسفن في مواضع أخرى؟ هل أقسم بشيء من صنع البشر؟ أبداً، ولكنه يقسم دائما بعظيم مخلوقاته هو، كيوم القيامة، كالعصر، كالطور، كالفجر، كالتين والزيتون، كمواقع النجوم، كالجوار التي هي الأمواج المهلكة المخيفة، أما السفن والبقر فلا تخوف أحداً!

ــــ النسبة والملكية،.

هل نسب الله شيئاً من صنع البشر لنفسه؟! لا، فماذا الآن ينسب لنفسه سفن من صنع البشر؟! ﴿وله الجوار المنشئات..﴾ ثم هذه في سورة الرّحمنْ، هل وجدت في سورة الرّحمنْ شيئاً من صنع البشر؟ لا، كل السورة مخيفة مرعبة تهديد، ووعيد، وغضب، وكبرياء وعظمة، ثم يدخل فيها سفن؟! ولكن يدخل فيها الموج المتلاطم المفزع، صحيح، مستقيم ومتناسق مع السورة.

ــــ الجوار هو الجوار،.

كيف السفن تخنس وكيف تكنس؟ وكيف البقر في البحر وكيف يركد الظباء في البحر؟!! (لا تقل الجوار في البحر غير الجوار الكنس، بل هي نفسها، نفس الحروف، نفس التشكيل) ولكن لو كانت الأمواج، فهي فعلاً تخنس، أي تنقبض وتتوارى وتركد،. وتكنس الناس والبيوت وتحشرهم كما حصل بتسونامي،. هذه متوافق مع سورتها التي فيها (وإذا الوحوش حشرت) الحشر يتوافق مع الكنس، كذلك (إذا الشمس كورت) التكوير مواراة وتداخل وكسف وخسف، متوافق مع الخنس، كذلك (وإذا النجوم انكدرت) الانكدار الاختفاء، متوافق مع الخنس،. ولكن ما دخل السفن بهذه المشاهد العظيمة؟! وكيف تكنس السفينة؟ وماذا تكنس؟ أين تخنس؟ خلف الإنحناء؟!

ــــ ما الفرق بين الجوار والأمواج؟ وما الفرق بين الجبال والأعلام؟

أكيد يوجد فرق بين الموج والجوار، وبين الأعلام والجبال، طالما هما كلمتان، فلا ترادف في القُــرآن،.

ولكن علينا التدبر أكثر لايجاد الفرق، وقد يكونان على أمر واحد، ولكنها تسمى بكلمة كذا إذا كانت في حالة كذا،. مثال الفلك والسفن، الفرق بينهما أن الفلك تبحر، فإذا وقفت فهي سفينة، الجب والبئر، الفرق بينهما أن البئر يكون فيه ماء، ولكن لو زال الماء فيسمى جب، ويوسف ألقوه في الجب وليس في البئر، فالقُــرآن دقيق جداً في كلماته،. ولا يوجد ترادف أي كلمتين بمعنى واحد بالتمام، لابد ثمة فرق،. الآن على الجوار والأمواج،. ليس كل موج جوار، فأمواج الشاطئ ليست كالأعلام، ولكنها لو كانت كبيرة فهي كالأعلام،. وكذلك ليست كل الجبال أعلام، فمنها الصغير، فلا يسمى بعلم،. وهكذا،.

﴾رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ